الاثنين، 22 مارس 2010

التسامح الدينى


قيم التسامح الديني

اعداد / مصطفى أنور فضالة

1) قيمة التسامح في كونه ضرورة وجودية

إن ما يجب تسليط الضوء عليه أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ذا بُعد وُجودي، أي أنه ضروري ضرورة الوجود نفسه. ولتوضيح ذلك أن سُنّة الوجود قد اقتضت أن يكون وجود الناس على الأرض في شكل تجمّعات بشرية، وهي وإن اتّفقت في ما يجمع بينها من وحدة الأصل والحاجة إلى التجمّع والحرص على البقاء والرغبة في التّمكّن من مقوّمات الحياة والسّعي في إقامة التمدّن والعمران و الارتقاء والتقدّم فإنها قد تباينت في ما تتفرّد به كل مجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية. وقد صرّح القرآن بهذه الحقيقة الوجودية فقال: { يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا }.

لقد أكدت الآية ما كان قد توصَّل إليه الحكماء والفلاسفة من قَبل وأثبته الواقع التاريخي المُشَاهد من أن الإنسان مَدني بطبعه، بمعنى أنه لا تتحقّق حياته ولا ينبني كيانه ولا تكتمل ذاته ولا يكتسب ما تصبو إليه قدراته إلاّ داخل وسط اجتماعي

فالإنسان ابن بيئته، فهي التي تنشئه وتكونه وتلونه، وهي التي توفر له ما تملك مما يفي بحاجاته الأساسية، كما أنها هي التي تَكفيه مع ما تقدّس من شعائر وتطبعه بما تقدر من عادات .

من ذلك، نتبيّن أن التنوّع بين الناس أفراداً وجماعات ما كان انحرافاً ولا شذوذاً ولا مُروقاً، بل كان من طبيعتهم البشرية ومن أصل خلقتهم الآدمية، فهو ظاهرة ضرورية اقتضتها الفطرة الإنسانية واستلزمتها النشأة الاجتماعية.

إنه تنوّع في الطبائع والأمزجة والمواهب والميول والمؤهلات والطموحات. وإنه تنوّع في أنماط الممارسات الاعتقادية. وإنه تنوّع إيجابي فيه ثراء وخصوبة يحفّز على الاضطلاع بالمسؤوليات الثّقال، ويدفع إلى جعل الوفاء بالحاجات النفسية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والحضارية واقعاً مرئياً وخياراً متاحاً أمام القدرات والكفاءات.

وقد ألمع القرآن إلى ضرورة هذا الاختلاف النمطي، وإلى حتمية وجوده حتى يتمكّن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار وبالطريقة التي يهواها ويرتضيها { ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين }.

وهكذا نلحَظ، أن الغاية من اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات ومَدَنيات إنما هو التعارف لا التَّناكر، والتعايش لا الاقتِتَال، والتعاون لا التَّطاحن، والتكامل لا التعارض، وبات واضحاً أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ضرورياً ضرورة الوجود نفسه.

2) قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي الاحترام المتبادل

مما تقدّم، نتبيّن أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يُقرّ الاختلاف ويقبل التنوّع ويعترف بالتغاير ويحترم ما يميز الأفراد من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية ومخيال، ويقدر ما يختص به كل شعب من مكونات ثقافية امتزج فيها قديم ماضيه بجديد حاضره ورؤية مستقبله، هي سبب وجوده وسرّ بقائه وعنوان هويته ومَبعث اعتزازه.

3) قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي المساواة في الحقوق

من الواضح أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي التسليم المطلق – إعتقاداً وسلوكاً وممارسة – بأنه إذا كان لهؤلاء وجود فلأولئك وجود، وإذا كان لهؤلاء دين له حُرمته فلأولئك دين له الحُرمة نفسها، وإذا كان لهؤلاء خُصوصية ثقافية لا ترضى الانتهاك فلأولئك خُصوصية ثقافية لا تقبل الـمَسّ أبداً.

4) قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه إرهاصاً لإقامة مجتمع مَدني

من الجَلِي أن التسامح الديني يُعدّ أرضية أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده، فالتعدّدية والديموقراطية وحرية المعتقد وقبول الاختلاف في الرأي والفكر وثقافة الإنسان وتقدير المواثيق الوطنية واحترام سيادة القانون، خيارات استراتيجية وقيم إنسانية ناجزة لا تقبل التراجع ولا التفريط ولا المساومة، فالتسامح عامل فاعل في بناء المجتمع المدني، ومشجّع على تفعيل قواعده.

أن التسامح يستوجب الاحترام المتبادل، ويستلزم التقدير المشترك، ويدعو إلى أن تتعارف الشعوب تتقارب، ويفرض التعامل في نطاق الدائرة الموضوعية من دون المسَاس بدائرة الخصوصية من غير إثارة لحساسيتها، وانتهاك لحُرمة ذاتيتها، وهي دائرة تبادل المعارف والمنافع والمصالح الشَّراكة الفاعلة التي يعود مردودها بالخير على الجميع.

موقف الأديان من التسامح الديني

الأديان بحكم إنتمائها إلى السماء، فإنها لا تأمر إلاّ بالخير والحق والصلاح ولا تدعو إلاّ بالبِرّ والحب والرحمة والاحسان، ولا توصي إلاّ بالأمن والسلم والسلام، وما كانت يوماً في حدِّ ذاتها عائقاً أمام التبادل والتلاقح والتَّثاقف ولا أمام التعايش والتعارف والحوار، وإنما العائق يكمن في الذين يتوهّمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ويستغلّون الأديان في أقدار الناس ومصائرهم، تلك المهمة التي أبَى الله تعالى أن يمنحها لأنبيائه الأخيار.

1) التسامح في نظر الإسلام

إن الإسلام من جهته يعترف بوجود الغير المخالف فرداً كان أو جماعة ويعترف بشرعية ما لهذا الغير من وجهة نظر ذاتية في الاعتقاد والتصوّر والممارسة تخالف ما يرتـئيه شكلاً ومضموناً. ويكفي أن نعلم أن القرآن الكريم قد سمّى الشِّرك ديناً على الرغم من وضوح بطلانه، لا لشيء إلاّ لأنه في وجدان معتنقيه دين.

فإن جريمة المشركين لم تكن في إعراضهم عن الإسلام، وإنما في كونهم رفضوا أن يعيش دين جديد بجوار دينهم، فقرّروا مَحْقَه واستئصاله من الوجود.

هذا وقد أوصَل بعضهم الآيات الواردة في شأن احترام الأديان الأخرى واحترام خصوصيتها واتباعها إلى أكثر من مائة آية موزّعة في ست وثلاثين سورة.

ولم يكتف القرآن بتشريع حرية التديّن، بل نجده قد وضع جملة من الآداب، فقد دعا المسلمين إلى أن يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودّة وبِر وإحسان. قال تعالى: { لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يُقاتلُوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبرُّهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }.

وإتساقاً مع تلك الدعوة إلى حُسن التعامل، نرى القرآن يحذّر أتباعه ويَنهاهم عن سَبّ المشركين وشتم عقائدهم، { ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عَدْواً بغير علم }. يشير مضمون الآية إلى كونها تلقين مستمر المدى حيث أوجب الله تعالى في كل زمان ومكان الالتزام بهذا الأدب وعدم شتم غيرهم وعقائدهم.

والواقع أن المرء إذا نظر إلى تلك المبادئ المتعلقة بموضوع حرية التديّن التي أَقَرَّها القرآن بموضوعية، لا يسعه إلاّ الاعتراف بأنها فعلاً مبادئ التسامح الديني في أعمق معانيه وأروع صوره وأبعد قِيمه.

2) التسامح في نظر المسيحية

الإسلام لم يكن وحده في اشتماله على مبادئ التسامح، فالمسيحية التي تقول أناجيلها..

• لقد قيل لكم من قبل أن السنّ بالسنّ والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشرّ بالشرّ بل من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه ازارك ونت سخّرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين.

• من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان.

• عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم وإن متّم بكوا عليكم.

هي بدورها تتضمّن مبادئ التسامح في أَجْلى صوره، بل إنه تسامح يبدوا أحياناً فوق الطاقة.

3)التسامح في نظر اليهودية

اليهودية تدعو إلى التسامح فإذا نظرنا إلى مثل هذه الوصايا..

• كل ما تكرهُ أن يفعلهُ غيرك بك فإياك أن تفعلهُ أنت بغيرك.

• اغتسلوا وتطهّروا وأزيلوا شرَّ أفكاركم (...) وكفّوا عن الإساءة. تعلّموا الاحسان والتمسوا الانصاف.

وهكذا بات واضحاً أن التسامح الديني مطلب إنساني نبيل دَعَت إليه الأديان كافة دون استثناء، وكيف لا تدعو إليه وقد أرادته الحكمة الإلهية واقتضته الفِطرة الإنسانية واستوجبته النشأة الاجتماعية وفرضته المجتمعات المدنية وما تحتاج إليه من قِيَم حضارية ومَدنية نبيلة. والمهم أيضاً، أن الإشكال ليس في الأديان ذاتها وإنما هو كامن في عُقم إفهام بعض القائمين عليها ولا زالت المفارقات بين المبادئ والممارسات الواقعة هنا وهناك لا تُحصى. أليس هناك إجماع على ان الإسلام صالح لكل زمان ومكان ومع ذلك فإننا نجد من التفاسير ما لم تحرص على شيء حرصها على إظهار الإسلام في شكل لا يقدر على تطبيقه إلاّ من أَلِفَ العيش في مغاور جبال أفغانستان ؟

ألم يكن هناك إجماع على ان الإسلام دين ينبذ الغلظة والفضاضة والجفاء ويحض على اللين والرّفق والسماحة والتيسير ويامر بالتحابُب والتوادُد والتراحم والتآلف ويعترف بوجود الآخر ويُقر حقّه في التَّديّن ويُقدّر اختياره ويدعو إلى احترام ما ارتضاه من خصوصية وإلى التعامل معه بلطف وإحسان وينهى عن سبّه والتحرّش بدينه، إن التسامح الديني يتطلّب الاحترام المتبادل ويقتضي التخلّي عن الأساليب الإقصَائية.

الحروب المقدسة والحروب الصليبية، نحن وحدنا على طريق الحق والخير، وغيرنا شرير وفاسد، كافر، ملحد ؛عَلماني.. وغيرها، لغة لا يستسيغها التعامل المدني الراهن (اليوم)، ومع ذلك قد استعملت حتى من قِبَل من كنّا نعدّهم حضاريين. وعلى كُلّ فإنها تنتمي إلى صراع حالك من التاريخ. وإذا كانت الغاية من دراسة التاريخ البحث عمّا وقع فيه من إيجابيات، أليس حريّاً بنا أن نتأسّى بما حصل فيه من تجارب مُشرقة ؟

لقد أفادنا التاريخ بأن المسلمين قد انفتحوا – أيام عطائهم الحضاري وازدهارهم الثقافي – على معارف وعلوم وثقافات، وحرصوا على أن يفهموها ويستوعبوها ويستفيدوا منها، حتى أن التاريخ يؤكد أنهم ما استطاعوا أن يُقيموا حضارتهم التي أقاموها إلاّ بعد اطلاعهم واستفادتهم مما وجدوا لدى غيرهم. وقد شَرع ذلك الانفتاح الكوني الذي سلكوه الأبواب على مصاريعها أمام التعرّف والتقارب والتبادل، وعزّز الأدوار الايجابية الفاعلة التي كانت تؤدّيها تلك المناظرات التي كانت تستقطب – عبر بيوت الحكمة التي تنافس أولو الأمر في تأسيسها – العلماء من مختلف الأديان، وقد أقبَل المسلمون عليها بتلقائية وقَصد، وقبلوا فيها شرط الالتزام بعدم الاستدلال على مَقولاتهم لا بالكتاب ولا بالسُّنة نزولاً عند رغبة مناظريهم من اليهود والنصارى وحتى من البوذيّين والمجوس وغيرهم تمسّكاً بالعقلانية وتحقيقاً للموضوعية وتطبيقاص للمنهجية العلمية التي ترفض الخُطَب التقريرية والمقولات المعلّبة الجاهزة.

وعلى كلّ، فإن المفارقات ليست مبرراً إطلاقاً سواء كانت صادرة من الشرق أو من الغرب، ومهما بلغت تداعياتها من فداحة لم تكن مَدعاة لليأس والاحباط بقدر ما هي حافز قوي يدعو قوى الخير في العالم إلى تفعيل قواعد المجتمع المدني حتى يكون لها موقع من العولمة ثابتاً. ثم إن العولمة لا تكون إرهاصاً لمستقبل أكثر اطمئناناً وأشد تضامناً إلاّ ببلورة القيم الكونية وتفعيلها واتخاذها المُنطلق المرجع. ولا يتيسّر هذا إلاّ بتضامن مبادئ الأديان النبيلة، وتعاون جهود الثقافات الواعية القادرة على خلق فكر حضاري يتوارى – أمامه مذموماً، مدحوراً – كل خطاب يُشوّه المقدّس، ويغتال العقل ويُصادر الحرية ويجذب إلى الخلف ويتنكّر للحداثة ويحاول عبثاً أن يلفت التاريخ إلى الوراء. إن الحرص على خلق عالم جديد خال من حقد العنصرية العرقية، وبغضاء التطاحن الديني هدف كوني نبيل يتطلّب مبادرات جادة وفاعلة.

يبقى أن القِيم الكونية تحتاج إلى تضامن نضال دؤوب، وبرغم ما يُعيقه من صراع كريه تطفح تداعياته البشعة على سطح الساحة العالمية، فإنه ليس مستحيل على المؤسسات التربوية والثقافية والعلمية والجمعيات الحكومية وغير الحكومية في العالم تكاتفت جهودها و أهدافها .

المراجع

1- سورة الحجرات. الآية 13. 2- سورة هود. الآية 118.

3- سورة الممتحنة. الآية: 8. 4- سورة الأنعام. الآية: 108.

5- الشعراوي، محمد متولي. 1991. تفسير الشعراوي. ج6. القاهرة. أخبار اليوم. ص 3858- 3861.

6- الحايك، ميشال. 1961. المسيح في الإسلام. ط4. بيروت. دار النهار. ص 159.

7- الكتاب المقدّس للمدرسة والعائلة في العهدين القديم والجديد - (العهد القديم). بعناية: الأب باسيليوس كناكري. ص 135.



عمل الاطفال ؟؟!!

ظاهرة عمل الاطفال

من المحزن جدا أن ترى طفلا ًلم يبلغ الحلم قد طغت ملامح الإجهاد على وجهه، وانطبعت صورة الإحباط على قسماته، ناهيك عن ما يحمله من مظاهر السخط والتمرد على مجتمعه وجماعته، نتساءل: ما الذي جرّ المسكين الصغير إلى هذا الواقع المرير ؟؟!!!!!!!!!
عمالة الأطفال ظاهرة منتشرة انتشاراً واسعاً في أرجاء المعمورة فهي ليست مقصورة على الدول الفقيرة النامية بل حتى في الدول المتحضرة، وبقدر سعة انتشارها بقدر تنامي واتساع القلق العالمي من وجودها وتغلغلها في واقع المجتمعات على حد سواء، ففي الحادي عشر من شهر يونيو حزيران من كل عام تحتفل المنظمات الدولية والحكومات باليوم العالمي ضد عمل الأطفال . وفي هذا دليل واضح على عدم الرضا بهذه الظاهرة وأنها غيرُ مرغوب فيها.
إن عمل الأطفال يعد للوهلة الأولى نشاطاً غير مستحسن لدى الطبيعة البشرية السوية، فالطفولة مرحلة من مراحل نمو الإنسان وهي بحاجة ماسة إلى العناية والتأديب والتربية والتدريب وليست إلى الإهمال والتعب والشقاء.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد من كان دون الحلم عن المشاركة معه في الغزوات كما حدث ذلك في غزوة أحد، إذ في مشاركة الأطفال في الحروب - حيث تتطاير الرقاب، وتسيل الدماء، وتزهق الأرواح - مشقة كبيرة تحتاج إلي جسم يطيق أهوالها وآلامها.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلمهم و يربيهم على مكارم الأخلاق وأصولها )يا غلام إني أعلمك كلماتٍ احفظ الله يحفظك ..) ويقول لآخر :(يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك)
ومن سنن الله في خلقه أن جعل الأب هو القائم على أمر الأسرة يوفر لها حاجاتها، ويبعد عنها مخاوفها، ويصلح ما اعوج من سلوك أفرادها . والأطفال من زينة الحياة الدنيا وهم الذرية التي تبعث الإعتزاز والفرح والسرور في نفسية الآباء.

لماذا يعمل الأطفال؟
الأسباب التي أدت إلى ظهور الظاهرة فيمكن إرجاعها إلى ثلاثة أسباب رئيسة :
أولاً : الفقــــر
فتزايد حدة الفقر الذي يصيب الأسر سواء كان في المجتمعات النامية أو المتحضرة يشاركوا في إعالة الأسرة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من معاينة الموت جوعاً.
فالفقر عدو لدود تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا كان حرياً بالمجتمعات أن تشمر عن ساعد الجد في التخفيف من حدته وانتشاره إذ ما يولده من خرابٍ على المجتمع ،كفيل بأن يجعل العقلاء يفيقون من سباتهم العميق.
ثانيا : الجهل
فالأسرة تجهل قيمة العلم والتعلم؛ ولذا تجد أنها لا تبالي أن تخرج ابنها من الدراسة وتدفع به إلى المصنع ليوفر لها حاجتها كما أن مستويات التعليم خصوصاً في البلدان النامية لا زالت تعيش ركوداً وجموداً وتحجراً؛ فهي بدلاً من أن ترغّب الطلاب في الدراسة وتشجعهم على المواصلة فيها ،من خلال خلق الأجواء الصحية، وحسن المعاملة بالمتعلم، والرفق به، وتسخير كل الطاقات نحو ترشيد عقله ووعيه، وبنائه بناءًا سليماً، وكذا مساعدة أسرته إن كانت محتاجة بحيث يغنيها عن أن تستخدم هذا الطفل في أعمال فوق طاقته ومقدرته فهي بالعكس من ذلك تهمل جوانب كثيرة منها بحجة كثرة الأعباء الملقاة على عاتق هذه الدول أو تلك! وللأسف الشديد تجد دولاً تصدر النفط والطاقة لم تفق من سباتها إلا بعد أن يظهر بها آلاف مؤلفة من الأطفال يعملون سخرة في المعامل والمصانع ويحتار الإنسان أين كان موقع التعليم وترغيب الناس إليه من أولويات عمل حكومات تلك الدول؟، ومن إفرازات تهالك التعليم أن ترى كثرة ظهور المدارس الأهلية الخاصة التي لا يستطيعها إلا من لديه دخل وفير أما الفقير فليس له إلا مدارس الدولة التي هي بنيان متصدع، وكرسي مفرقع، وكتاب مرقع.
ثالثاُ: الأزمات
ونقصد بها الحروب والكوارث الطبيعية التي من أهم إفرازاتها تشريد العديد من الأسر من مأوى عيشهم إلى أماكن يصبحون فيها عالة على الآخرين، وهنا تظهر العصابات التي تطغى عليها مظاهر الانتماء الفاضح إلى شهوة الربح وكسب الأموال بطرق مشبوهة وأساليب تعد في عرف الدول جرائم حرب تجب محاكمة مرتكبيها.
ولعل ما حدث إبان كارثة (تسونامي) في جنوب شرق آسيا من عمليات خطف للأطفال شاهد مهم على التوجهات الخاطئة التي تقوم بها عصابات تجارة الأطفال من الاستفادة منهم والمتاجرة بهم بغية الكسب السريع وملء الجيوب من أقصر الطرق.
ماذا يعمل الأطفـــــــــــال ؟
أن الأطفال غالباً ما يعملون أعمالاً يغلب عليها الجانب السلبي فهي إلى المشقة والإرهاق أقرب منها إلى البساطة والاستمتاع.
ولذا فقد تنادت المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الطفل وحمايته من أسوأ أشكال العمل، ويمكن حصرها فيما يلي:
أولاً: الأعمال التي تؤدي إلى استرقاق الأطفال من خلال بيعهم والاتجار بهم فيصبحون سلعاً تباع وتشترى وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى إجبارهم وتجنيدهم قسراً في أعمال شاقة ومرهقة.
ثانيا: الأعمال التي تؤدي إلى امتهان كرامة وعرض الطفل من خلال استخدامه في إنتاج أعمال إباحية أو أداء عروضٍ إباحيةٍ.
ثالثا: الأعمال التي تؤدي إلى سلوك الطفل سلوكاً منحرفاً وذلك من خلال مزاولة أنشطة محرمة وغيرها ولا سيما إنتاج المخدرات والاتجار بها.
رابعا: الأعمال التي تؤدي إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم فتراهم يعملون في الورش المتنقلة والثابتة ويحملون أثقالاً وأوزاناً تؤثر على نموهم بشكل أو بآخر أو ما نراه في الشوارع من مشاهد تسيء للطفولة وذلك من خلال صور مختلفة كطفل يبيع أكياس النايلون أو يقف لينظف سيارة أو يشارك في تفريغ حمولة شاحنة أو بيع دخان أو نقل اسطوانات الغاز.
عمل الأطفال هي صورة قاتمة بشعة خالية من المحسنات أو اللمحات الجميلة، وكأن عمل الأطفال خطيئة المجتمعات النامية والمتحضرة على حد سواء، بينما يذكر البعض أن هناك قسما إيجابياً في عمل الأطفال وهو ما يدخل فيه كافة الأعمال الطوعية أو حتى المأجورة التي يقوم الطفل بها والمناسبة لعمره وقدراته ويكون لها آثاراً إيجابية تنعكس على نموه العقلي والجسمي والذهني وخاصة إذا قام الطفل بها باستمتاع مع مراعاة الحفاظ على حقوقه الأساسية ؛ لأنه من خلال العمل يتعلم الطفل المسؤولية والتعاون والتسامح مع الآخرين .
إحصاءات وأرقام
ليس هناك تقدير دقيق يمكن الاستناد إليه يحدد عدد الأطفال العاملين في العالم‍‍‍.
إذ أن منظمة العمل الدولية وهي المصدر الرئيس للمعلومات حول ذلك تقول:( إن البيانات الإحصائية المتوافرة غير كافية إلى حد كبير وتعوزها المصداقية(
ولذا نرى مدى التخبط الواضح في التقديرات والإحصاءات
أما في عام 1973م فقد أشارت تقارير شاملة بأن عدد الأطفال العاملين يبلغ (73) مليون طفل أي ما يعادل (13%) من مجموع الأطفال بين سن (10) و(14) سنة .
وفي عام 1955م وصلت أعداد الأطفـــال العاملين إلى (250) مليون طفــل من سن (5-14).
ثم بينت التقديرات العالمية لسنة 2002م بأن 211 مليونا من الأطفال ما بين (5-14) على امتداد العالم يمارسون نشاطاً اقتصادياً.
مما سبق ذكره تبين :
(1
مدى التفاوت الكبير بين التقديرات العالمية والتي كان من المفترض أن تكون بحجم الظاهرة الموغلة في القدم على مدار تاريخ الحضارات القديمة وصولاً إلى الحضارة المعاصرة.
(2)
تأخر اهتمام المنظمة الدولية بهذه الظاهرة كما سنرى عند الحديث عن الجهود الدولية في ذلك.
(3)
الرقم الحقيقي بالضرورة أكبر من الإحصاءات المعلنة فنسبة التسجيل تقل في الإحصاءات الرسمية لدول العالم الثالث عموما عن الواقع الفعلي؛ وذلك لضعف الإمكانيات والقدرات لدى هذه الدول كما أن هذه الإحصاءات لا تشمل غالبا تلك الأعداد الأقل من الأطفال العاملين الموجودين في دول العالم المتقدم أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا واليابان
4)
) أن هذه الظاهرة هي بحاجة لمزيد من الدراسة الدقيقة والفاحصة والتي ستفرز بالضرورة تقديرات اكثر دقة ومصداقية.
الجهود الدولية في مواجهة الظاهرة:
لم تكن جهود المنظمات الدولية بالشكل المرضي والمأمول بل هي لا تتجاوز عقد المؤتمرات وإقرار الاتفاقيات وإصدار التوصيات، أما في الواقع العملي في الوصول إلى حماية فعلية للطفل من أسوا أشكال العمل فهذا لم يتحقق في ظني بعد، ويمكن الإشارة إلى عدد من الجهود في ذلك:
أولاً: على مستوى العالم العربي :
يمكن التنويه لأهم ما تحقق في العقدين الأخيرين من القرن العشرين .
1)
)مصادقة عدد من الدول العربية على اتفاقية رقم (138) لعام 1973م
2)
) الخطة العربية لرعاية الطفولة وحمايتها وتنميتها 1992م
(3) الخطة العربية لثقافة الطفل 1993م.
(4)
البيان العربي لحقوق الأسرة 1994م.
(5)
الاتفاقية العربية لتشغيل الأحداث رقم (16) لعام 1996م الصادرة عن منظمة العمل العربية.
(6)
القانون النموذجي لرعاية المنحرفين والمهددين بخطر الانحراف 1996م.
( 7)
وثيقة القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية 1988م.
(8)
مشروع الدليل التشريعي النموذجي الجامع لحقوق الطفل العربي 1999م.
ثانيا : على مستوى الجهود الدولية فقد تحقق ما يلي:
(1)
اتفاقية الحد الأدنى لسن العمل رقم (138) عام 1973م والتوصية رقم (146) المرتبطة بها.
(2)
الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989م (RCR) .
(3)
البرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال منذ عام 1991م (IPEC)
(4)
قانون رقم (12) لسنة 1996م المتعلق بأحكام حماية الأطفال
(5)
اتفاقية خطر أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم (182) والتي أبرمت في الدورة (87) لمؤتمر العمل الدولي يونيو 1999م وقد تم التمهيد لها بمؤتمرات حاشدة رعتها بعض الدول
مؤتمر استكهولم بالسويد 1996م.
مؤتمر أمستردام بهولندا فبراير 1997م.
مؤتمر أوسلو بالنرويج أكتوبر 1997م.
الآثار المدمرة لعمالة الأطفال:
تعد ظاهرة عمل الأطفال بوجه عام ظاهرة سلبية النتائج فما تفرزه من عواقب وخيمة على الطفل كفيل بان يتنادى الجميع للحد من خطورتها ويمكن إجمال تأثيراتها السلبية فيما يلي:
(1)
صحياً :
إذ أن ما يتعرض له الطفل من جروح وكدمات أو الوقوع من أماكن مرتفعة أو وقع شيء ثقيل عليه أو خنق من غازات سامة وصعوبة التنفس وغير ذلك يؤدي بالضرورة إلى انحراف في التناسق العضوي والقوة والبصر والسمع.
(2)
اجتماعياً وأخلاقياً
إن الظروف التي فرضت على هذا الطفل الانخراط في العمل والسعي نحو سد حاجة الأسرة هي بالمقابل قد رسخت في ذهنه الشعور بالانقطاع عن الجماعة وضعف الانتماء لها وكذا السلبية المقيتة نحو المشاركة الفاعلة مع الآخرين ،كما يورث انعدام القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب وكتمان ما يحصل له من آلام ومصاعب، وإحساسه بأنه عبد لصاحب العمل.
3)
) معرفيا
انقطاع الطفل عن الدراسة وانهماكه في أعمال متواصلة صباحاً ومساءًا كفيل بأن يؤثر على تطوره العملي وتنخفض قدراته على القراءة والكتابة والحساب كما أن قدراته على الإبداع تقل وربما تضمحل.
4)
) عاطفيا
الواقع المرير الذي يمر بالأطفال العاملين عادة ما يفقدهم احترامهم لذاتهم وارتباطهم الأسرى وتقبلهم للآخرين فتنقلب نفسياتهم إلى شكل من الشر فيه نوع من الجفاء والجحود والنكران مما يلقاه من عنف متواصل من عمله وصاحب العمل والزملاء.
المعالجـــــــــــــات
ظاهرة عمل الأطفال وما نتج عنها من مظاهر سلبية تحدث مع استمرار نشوء الظاهرة هشاشةً في بنيان الجيل القادم إذ يقبل على الحياة وهو منهك القوى ضعيف المعرفة همه لقمة عيشه وبقاء حياته في هذه الدنيا.
وللتغلب على هذه الظاهرة يمكن وضع الحلول الآتية لعلها تكون عوناً في الوصول إلى الهدف المنشود.
أولاً الحد من تزايد رقعة انتشار الفقر في المجتمعات النامية على وجه الخصوص وفي الأقليات القاطنة في المجتمعات المتقدمة.
إذ إن التقليل من ظاهرة الفقر تعني الكثير لهذه المجتمعات؛ حيث تقل الجريمة ويتضاءل انتشار الفاحشة ويسود التراحم في الجماعة وتقل الأحقاد الضغائن وربما تضمحل من النفوس.
إن انتشار الغنى في نفوس أبناء الأمة وحياتهم المعيشية يعني التقدم والازدهار والتحضر المنشود لمجتمعهم. ولذا فإننا عندما ننظر لهذا الطفل العامل نرى أنه دفع دفعاً من أسرته لكي يوفر لها لقمة العيش فالأب ربما يكون متوفى أو عاجزاً والأم مقعدة أو متوفاة أو أن الأسرة كسولة برمتها ولم تجد إلا أن تدفع بابنها الصغير للعمل حتى يحقق لها ما تريد على حساب صحته ومستقبله.
فهنا يجب على الدول الإسلامية على وجه الخصوص اتخاذ التدابير اللازمة والعلاجات الناجعة في ذلك فمثلا:
-
أخذ هؤلاء الأطفال أي محاضن خاصة لصقلهم وتربيتهم وتعليمهم.
-
كفالة الأسر المحتاجة بإعانة شهرية تسهم في التغلب على الصعوبات التي تتعرض لها
-
فتح مناخ عمل يناسب الآباء والأمهات ليدر لهم بمعاش يكفيهم عن مؤنة ذل السؤال أو دفع أبنائهم إلى ميدان العمل
ثانياً أهمية نشر الوعي في صفوف الأسر بأهمية التعليم ومكانته ودوره في القيام بالنهضة والتقدم والتطور في حياة الأفراد والمجتمعات ،وكذا محاولة إقناع الآباء والأمهات بضرورة دفع أبنائهم إلى التعليم حتى إذا ارتقى في سلمه، واكتملت قواه؛أصبح قادراً بعد ذلك على خوض غمار الحياة ومواجهة أعباءها بجدارة.
ثالثاً : يجب على الدول توفير الوظائف وتوزيعها التوزيع المناسب بين أفراد الأمة، أما أن يجلس صاحب الشهادة العليا عاطلاً عن العمل لسنوات عدة فإن هذا يورث انطباعاً لدى الأب أنه لاجدوى من تعلم ابنه مادام أنه لن يوظف، مما يجعله يقوم بإلحاق ابنه بأحد المصانع أو المتاجر سعياً وراء المادة.
رابعاً: ضرورة إصلاح التربية والتعليم وتجديدها وتطويرها والاهتمام بها، حتى تكون محبوبة في نفوس الطلاب، وأن تواكب مدارس الدولة المتغيرات وإدخال التقنيات الحديثة في وسائل التعليم وتهيئة الجو والمكان المناسبين وتفعيل جانب الأنشطة، وخلق متسع كبير ليخرج الطفل ما لديه من إبداعات ومهارات ومواهب، ثم يكافأ على مجهوده وإتقانه، كل ذلك حتى لا يصيبه الملل والسآمة من الدراسة.
خامساً: التنفيذ الصارم للاتفاقيات الدولية والتوصيات الملحقة بها فيجب على الجميع أفراداً وحكومات ومنظمات دولية الانطلاق من مرحلة التنظير و إشباع الظواهر السيئة لعمل الأطفال بحثاً وتقريراً إلى مرحلة التطبيق والإشراف والمتابعة لمدى تنفيذ ما تم بحثه وإقراره .
إن هذه الاتفاقيات الدولية والتوصيات الملحقة ببعضها خطوة مهمة في سبيل التخفيف من هذه الظاهرة وستظل حبيسة الأدراج إذا أهملت وتعامل معها المختصون بنوع من الرتابة وعدم الجدية وسيظل الطفل يعاني المرارة والقسوة فهو بين سندان إهمال المجتمع ومطرقة جشع أرباب الأموال وكبار التجار ..

المراجع

1- http://islamtoday.net/bohooth/artshow-86-6350.htm

2- أمانى عبد الفتاح ( عمالة الاطفال ظاهرة اجتماعية ) الناشر عالم الكتب