الاثنين، 4 يوليو 2011

دور المرأة والمشاركة فى التنمية


دور المرأةوالمشاركة فى التنمية
مقدمة
إن من أعظم ما تركه لنا القرن العشرون مفهوم التنمية الشاملة الذي تفاوت حظ تطبيقه بين دول العالم، ولكنه أصبح من بين الأسس الثابتة لقياس تقدم المجتمعات، ودليلاً على أن التنمية أصبحت تمثل مطلباً ملحاً وأساسياً لكل المجتمعات المعاصرة، وذلك لما تنطوي عليه من مضامين اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية هامة، وأيضاً لما ينتج عنها من نتائج حاسمة في حاضر هذه المجتمعات ومستقبلها.
وإذا كان الهدف الأساس من التنمية هو سعادة البشر وتلبية حاجاتهم، والوصول بهم إلى درجة ملائمة من التطور وتعميق إنسانيتهم، فإنها فى حد ذاتها، لا تقوم إلا بالبشر أنفسهم الذين هم أهم وسائل تحقيقها.
وفي إطار الاهتمام بقضية التنمية الشاملة، وانطلاقاً من أن التنمية ترتكز في منطلقاتها على حشد الطاقات البشرية الموجودة في المجتمع دون تمييز بين النساء والرجال، يصبح الاهتمام بالمرأة وبدورها في تنمية المجتمع جزءاً أساسياً في عملية التنمية ذاتها، بالإضافة إلى تأثيرها المباشر في النصف الآخر، ذلك أن النساء يشكلن نصف المجتمع وبالتالي نصف طاقته الإنتاجية، وقد أصبح لزاماً أن يسهمن في العملية التنموية على قدم المساواة مع الرجال، بل لقد أصبح تقدم أي مجتمع مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمدى تقدم النساء وقدرتهن على المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبقضاء هذا المجتمع على كافة أشكال التمييز ضدهن .
التعريف بدور المرأة
سطّرت المرأة في العصور القديمة والحديثة وخاصة في المجتمعات الإسلامية أسطراً من نور في جميع المجالات، حيث كانت ملكة وقاضية وشاعرة وفنانة وأديبة وفقيهة ومحاربة وراوية للأحاديث النبوية الشريفة .
وإلى الآن ما زالت المرأة في المجتمعات الإسلامية تكد وتكدح وتساهم بكل طاقاتها في رعاية بيتها وأفراد أسرتها، فهي الأم التي تقع على عاتقها مسؤولية تربية الأجيال القادمة، وهي الزوجة التي تدير البيت وتوجه اقتصادياته، وهي بنت أو أخت أو زوجة، وهذا يجعل الدور الذي تقوم به المرأة في بناء المجتمع دوراً لا يمكن إغفاله أو التقليل من خطورته.
ولكن قدرة المرأة على القيام بهذا الدور تتوقف على نوعية نظرة المجتمع إليها والاعتراف بقيمتها ودورها في المجتمع، وتمتعها بحقوقها وخاصة ما نالته من تثقيف وتأهيل وعلم ومعرفة لتنمية شخصيتها وتوسيع مداركها، ومن ثم يمكنها القيام بمسؤولياتها تجاه أسرتها، وعلى دخول ميدان العمل والمشاركة في مجال الخدمة العامة .
ومنذ بداية العقد العالمي للمرأة (1985-75) وحتى مؤتمر بكين 1996، بدأ الاهتمام العالمي بقضية تنمية المرأة وتمكينها من أداء أدوارها بفعالية مثل الرجل، والمشاركة في اتخاذ القرار في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد واكب هذا الاهتمام العالمي اهتمام كثير من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، وذلك من خلال عقد سلسلة من الندوات والمناقشات وأوراش العمل والمؤتمرات
المرأة و دورها الحقيقي في المجتمع
ان دعم دور المرأة ومكانتها ومنحها حق العمل في الميادين كافة، انطلاقاً من أهمية مكانة المرأة في المجتمع ودورها في تحقيق استقرار الأسرة.
المفاهيم
مفهوم التنمية
يعرف تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 1997 التنمية بأنها عملية زيادة الخيارات المطروحة على الناس ومستوى ما يحققونه من رخاء، وهذه الخيارات ليست نهائية أو ثابتة. وبغض النظر عن التنمية فإن عناصرها الأساسية الثلاثة تشمل القدرة على العيش حياة طويلة وفي صحة جيدة، واكتساب المعرفة، والتمتع بفرص الحصول على الموارد اللازمة لعيش حياة لائقة. ولا تقف التنمية عند هذا الحد، فالناس أيضاً يقدرون جيداً الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإتاحة الفرص أمامهم للإبداع والإنتاج.
مفهوم تنمية المجتمع
عرّفت الأمم المتحدة تنمية المجتمع بأنها العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات ولمساعدتها على الاندماج في المجتمع والمساهمة في تقدمه بأقصى قدر مستطاع.
مفهوم الدور
تعريف الدور بأنه مجموعة من الصفات والتوقعات المحددة اجتماعياً والمرتبطة بمكانة معينة. والدور له أهمية اجتماعية لأنه يوضح أن أنشطة الأفراد محكومة اجتماعياً، وتتبع نماذج سلوكية محددة، فالمرأة في أسرتها تشغل مكانة اجتماعية معينة، ويتوقع منها القيام بمجموعة من الأنماط السلوكية تمثل الدور المطلوب منها.
وبالنسبة للمرأة فالدور المعياري لها كإمرأة وزوجة وأم، أي الدور الذي يتوقعه منها المجتمع وينتظر منها القيام به، يتفق اتفاقاً كبيراً مع دورها الفعلي إن لم يتطابق معه .
مفهوم الدور الاقتصادي
هو كل نشاط اقتصادى تؤديه المرأة داخل أو خارج المنزل بهدف إشباع احتياجات الأسرة أو المجتمع من خلال تحقيق فائدة اقتصادية، بمعنى أن هذا النشاط له قيمة اقتصادية يمكن قياسها أو تقديرها.
مفهوم الدور الاجتماعي
هو الأنشطة التي تقوم بها المرأة في نطاق أسرتها وخاصة ما يتعلق بتربية أبنائها وعلاقة أسرتها بغيرها من الأسر الأخرى خلال عملية نشاطها اليومي والاجتماعي.
مفهوم الدور الثقافي
هو قدرة المرأة على تقييم ما تتلقاه من معارف ومعلومات من وسائل الإعلام المختلفة بما يدعم دورها في معايشة قضايا العصر والانفتاح على العالم الخارجي. ويلعب التعليم دوراً هاماً في هذا المجال حيث أنه كلما نالت المرأة قسطاً أكبر من التعليم كلما كانت أكثر فهماً وإدراكاً ومقاومة للإيحاءات والتأثيرات السلبية التي قد ينقلها الاتصال بالعالم الخارجي.
مفهوم الدور السياسي
هو الأنشطة التي تقوم بها المرأة وتتمثل في ممارستها لحقوقها السياسية والمدنية مثل حق التصويت في الانتخابات، والترشح للمجالس الشعبية والنيابية، والمشاركة في النقابات والتنظيمات النسائية، وحرية التعبير عن الرأي، والمساواة أمام القانون.
دور المرأة في تنمية المجتمع
على الرغم من وجود تباين في البنى الأساسية الاقتصادية والثقافية والسياسية لبلدان العالم الإسلامي، إلا أن الدين الإسلامي هو دين الغالبية العظمى لسكان هذه البلدان.
ولما كان الدين الإسلامى أكثر تقدماً من أي دين آخر بالنسبة لمشاركة المرأة في المجتمع، لأنه أعطى صورة متكاملة عن دور المرأة ومكانتها في المجتمع، فالقرآن والحديث والتفسير والاجتهادات المختلفة تعطي المرأة مكانة خاصة تُترجم عملياً إلى أعراف تشريعية تملي عليها حقوقها وواجباتها سواء كانت ابنة أم زوجة أم أماً، فإننا نفترض وجود تطابق إلى حد ما في الأوضاع في هذه البلدان، ولذلك تم اختيار بعض دول العالم الإسلامي كعينة مختارة ممثلة لباقي الدول لنتعرف على أدوار المرأة في تنمية هذه المجتمعات.
وحين ننظر إلى الدور الذي تقوم به المرأة في التنمية، لا بد أن ننظر إليه في إطار التنمية الشاملة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وفي إطار التنمية المستهدفة القائمة على الأصالة والتجديد الحضاري. و تجزئة الدور في هذا الفصل إلى عدة أدوار هو بغرض التوضيح، وتفسير إلى أي مدى تستطيع المرأة أن تشارك وتساهم بفعالية في التنمية، وما العوامل التي تؤثر في معدلات إسهام المرأة في التنمية في ظل المتغيرات والتطورات التي طرأت على هذه المجتمعات ؟ وما العوامل التي تواجه المرأة للقيام بهذه الأدوار وتعوق اندماجها والتزامها بالمشاركة الحضارية الكاملة في صناعة الحياة بكل أبعادها بدءاً من حقها الطبيعى في حرية الحركة والانتقال، إلى ذروة التأثير في صنع القرار والإسهام في تحديد المسار.
أولاً : الدور الاقتصادي
الإسلام وعمل المرأة
تتمتع المرأة في الإسلام منذ أربعة عشر قرناً بشخصيتها الاقتصادية المستقلة وحريتها الكاملة في التصرف بأموالها دون إذن زوجها، لأنها في هذا كالرجل سواء بسواء، وكذلك لها أن تبيع وتُتاجر وتعقد الصفقات وتؤجر البيوت وترهنها، ولها الحق في أن تمتهن أي مهنة تحبها وتختارها، ولها أن تنتخب وتُنتخب في أي مجلس تشريعي أو سياسي أو اقتصادي، ولها أن تتولى القضاء بل لها أن تفتي في الناس بأحكام الشريعة إذا كانت عليمة بها، مثلما كانت السيدة عائشة أم المؤمنين تفتي الصحابة في المسائل التي عرفتها وغابت عنهم، أي أن الدين الإسلامي أجاز عمل المرأة في كافة المهن بما يصون كرامتها ولا يسيئ إلى أنوثتها، وأن الله يثني على من يتلقى أجراً نظير عمل، فالعاملون والعاملات لهم عند ربهم أجر عظيم، وفضلاً عن ذلك فإن الله يساوي بين الجنسين إذ يقول : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } (سورة النحل، الآية 97)، والحديث الشريف يقول ( إنما النساء شقائق الرجال ) فالمرأة في الشريعة شقيقة الرجل، لها مثل حقوقه داخل الأسرة وخارجها، ولها مثل الذي عليها بالمعروف، تلك هي بعض المعالم الرئيسة في نظرة الإسلام إلى المرأة، وهي نظرة بعيدة تماماً عن النظرة المتدنية إلى المرأة التي أفرزتها أوضاع متخلفة في تاريخ الحضارة الإسلامية اختلطت مع الزمن بتعاليم الإسلام وروح الشريعة.
معدلات مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي :
إن المعلومات والبيانات المتاحة عن عمل المرأة لا يمكن اعتبارها كاملة، وليس كل المتاح ملائماً لكل أنواع التحليل والدراسة، ومن المعروف أن دولاً كثيرة لا تتوفر لديها البيانات الضرورية عن إسهام المرأة في قوة العمل حسب التصنيفات التي تعكس هذه الإسهامات.
وتشير الإحصاءات إلى أن المرأة المسلمة تسهم في تطوير بلدها رغم أن نشاطها الاقتصادي أقل من نشاط النساء في البلدان المتقدمة وذلك لأن الإحصاءات الرسمية في البلدان الإسلامية لا تعكس إسهام المرأة الفعلي نظراً لاستناد هذه الإحصاءات إلى تقديرات، ولا تأخذ في اعتبارها إسهام المرأة الفعلي في النشاط الاقتصادي، وخاصة في المجال الزراعي والرعوي والحرفي وتهميش هذا النشاط لأنه خارج القطاع المنظم.
وتأخذ أشكال إسهامات المرأة الاقتصادية من خلال الأنشطة والأعمال التي تؤديها سواء داخل المنزل أو خارجه صوراً عديدة، منها إسهامات مباشرة وهي تبدو في شكل مادي كأجور أومرتبات تحصل عليها أو أثمان سلع ومنتجات تبيعها، أو ربح تحصل عليه من صناعة بعض المصنوعات اليدوية، أما الإسهامات غير المباشرة فتمثل قيمة المواد التي تنتجها المرأة وتستهلك داخل المنزل، وهذا يعد قيمة نقدية تساهم بها المرأة في ميزانية الأسرة وتشارك في تحسين مستوى الأسرة المعيشي.
وينبغي الإشارة إلى أن معدلات إسهام المرأة في النشاط الاقتصادي داخل قوة العمل تتباين بشكل كبير بين بلدان العالم الإسلامي، وتتباين أيضاً في الأقطار العربية في نطاق قطاعات النشاط الاقتصادي المنظم وغير المنظم، بالإضافة إلى أنها تختلف في الدول نفسها بين الحضر والريف، وبين فئات العمر، وترجع هذه الاختلافات إلى العوامل الاجتماعية والثقافية الخاصة بهذه المجتمعات.
معدلات مساهمة المرأة في القطاع الاقتصادي غير المنظم
من المعروف أن كثيراً من الأنشطة التي تؤديها المرأة تستثنى عادة من إحصاءات القوى العاملة والدخل القومي، وخصوصاً الأعمال التي تقوم بها المرأة في الريف وفي التجمعات البدوية والرعوية، وهي أنشطة اقتصادية تسهم في دخل الأسرة والدخل القومي، ويتراوح معدل عمل المرأة في بلدان العالم الإسلامي والدول العربية في المجال التجاري والزراعي والحرفي والرعوي، وتحضير الطعام وحفظه بين 60%، ويمثل أيضاً 70% في المشاريع الاجتماعية الصغيرة وكل الأعمال المنزلية تقريباً التي تتضمن في بعض البقاع حمل الماء والإنتاج الزراعي والحطب وغيرها من الأنشطة في القطاعات غير المنظمة.

جعل الله الإنسان خليفته في أرضه - رجلا كان أم امرأة - وهذه الخلافة تتطلب أن يعمل كل منهما لعمارة هذه الأرض، ويشارك في تنمية مجتمعه ووطنه، ويعتقد كثير من الناس أنه لكي تشارك المرأة في التنمية عليها أن تخرج إلى العمل وتزاحم الرجال حتى تصبح امرأة لها شخصيتها وكيانها، وتستطيع أن يكون لها دور في مجتمعها و أن تؤدي دورها الكبير من داخل بيتها.
الفرد المسلم - ذكرا كان أو أنثي - إنسان نافع يطالبه دينه أن يعمر الأرض بالخير، والنساء شقائق الرجال في هذه الدنيا، وإعمارهن الأرض من حولهن أمر واجب بالعقل والنقل. وهذا الإعمار يحتاج إلى آلاف التخصصات العامة والدقيقة منها ما يناسب الرجل ومنها ما يناسب المرأة.
ولا يختلف إنسان على أن من أعظم الأعمال الإنسانية القيام بتربية النشء في فترات الحضانة التربوية، وغياب المرأة في هذا الشأن يؤدي إلى كوارث في بناء الشخصية يصعب إزالتها مع الأيام إلا برحمة من الله تعالى.
لإسلام قدم مشروعا حضاريا متكاملا يهدف كغاية نهائية إلى عبادة الخالق تبارك وتعالى عبادة بالمعني الواسع، والذي يشمل عملية إعمار الأرض أو التنمية الاقتصادية تنمية جادة وشاملة ومستمرة، ويقوم هذا المشروع بواسطة الإنسان، ومن أجل تحقيق حياة طيبة كريمة للإنسان، أو كما يسميه الفقهاء تحقيق حد الكفاية أو حد الغنى لكل فرد يعيش في ظل النظام الإسلامي. أن دور المرأة في هذا المشروع الحضاري يعد أكثر من أساس، ومن هنا كان تكريم الإسلام للمرأة تكريما حقيقيا لا يمكن أن يتوافر في أي مشروع حضاري آخر، فالمرأة بالقطع وفقا لهذا المشروع ليست نصف المجتمع، وإنما هي أصل، بل كل المجتمع فعليها تقع تبعة أساسية في قيام المجتمع الإسلامي واستمراره في الوجود، وهي تبعة تربية وتنشئة الأجيال، فهي التي تخرج بفكرها ويديها أفرادا هم أهم عنصر من عناصر الإنتاج، وهو عنصر الأيدي العاملة.
لمرأة يمكن لها أن تخرج للعمل شريطة ألا يتعارض مع وظيفتها الأساسية وهي إعداد النشء، وتربية الأجيال، وفي أنشطة إنتاجية تتفق وطبيعتها كالتدريس والتمريض وغيرها، ولاشك أن في هذا الجانب إسهاما إيجابيا في عملية التنمية الاقتصادية.
التنمية معناها السائد في الفكر الاقتصادي هو تحقيق أعلى معدل نمو ممكن، أما إذا نظرنا للتنمية باعتبارها تحقيق الذات بالمعنى الحضاري والارتقاء بالجماعة والأمة، فسوف يأتي إلى جانب الهدف الاقتصادي أهداف أخرى حضارية واجتماعية، وسوف ينظر إلى دور المرأة في التنمية من منظور مركب، فالمرأة حاملة للتراث الحضاري أكثر من الرجل، ودورها في التنشئة الحضارية للأجيال الجديدة أهم من دور الرجل، فدور المرأة في نقل المضامين الحضارية من جيل لجيل دور أساس لا يسعنا أن نغفل عنه، وخاصة أن المرأة تقوم بدورها هذا في إطار الأسرة - اللبنة الاجتماعية الأساسية للمجتمع، والوحدة الاجتماعية القادرة أكثر من غيرها على الصمود طويلا في وجه كافة أشكال القمع الاجتماعي والحضاري الذي يتعرض له الإنسان.
المرأة ووسائل الإعلام والثقافة
تلعب وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة دوراً خطيراً في تغيير الآراء والمعتقدات، وفي إعادة توجيه سلوك الأفراد خاصة في الشرائح الثقافية والطبقات الاقتصادية والاجتماعية المتوسطة، حيث يسهل التأثير والتغيير في معتقداتهم وأنماطهم القيمية والسلوكية السائدة.
وتنتشر أجهزة الإعلام والتثقيف بمختلف أنواعها في بلدان العالم الإسلامي، وتنقل هذه القنوات في برامجها وموادها وأساليب تعبيرها صوراً إيجابية وقيماً اجتماعية عن المرأة، من حيث حرصها على التماسك والاستقرار بين أفراد أسرتها، ومن حـــيث احترامها للعادات والتقاليد، إلا أننا نجد على النقيض من ذلك العديد من المواد والبرامج الإعلامية التي قد تكرس قيماً غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية لا تظهر من المرأة إلا صورة الأنثى، أو التي تكرس أفكار الضعف النوعي والنقص الفكري والتبعية للرجل.
فعلى سبيل المثال يلاحظ أن السياسات الإعلامية الخاصة بثقافة المرأة، تتناقض مع بعضها البعض، إذ تكرس العديد من البرامج الثقافية أفكار المساواة في الحقوق والواجبات، وتطالب المرأة بالمزيد من المشاركة في أنشطة الحياة المختلفة، بينما نجد أن العديد من البرامج الدرامية تدعو المرأة للاستكانة والرضا بما يمنحهن الرجال.
ونخلص من ذلك إلى أن وسائل الإعلام والتثقيف المسموعة والمرئية قد لا تعكس الصورة الحقيقية للواقع الثقافي والاجتماعي للمرأة، ولذلك فلابد من الاهتمام والتطوير المستمر للبرامج والمواد الإعلامية والثقافية، لأنها مسؤولة مسؤولية مباشرة في هذا المجال للقيام بمهام التحفيز وإعداد المجتمع للتغيير بإبراز أهمية المرأة، ودورها في المجتمع، وتعظيم هذا الدور من خلال الأعمال الدرامية والأفلام، حتى تكون صورة عن المرأة تكفل احترامها وتعظيم دورها، كما ينبغي أن تتغير مفاهيم الرجل عن المرأة وأن يؤمن بأهمية دورها ومشاركتها في جميع مناحي الحياة.





المراجع

1 - رفيقة سليم حمود : المرأة المصرية ـ مشكلات الحاضر وتحديات المستقبل، دار الأمين، القاهرة، 1997، ص 21.
2- حامد عمار : بناء الانسان العربي، مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية، القاهرة، 1992
3 - الدراسات الاجتماعية للمرأة في العالم العربي : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984
http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/taaliminath/P5.php

فضل كفالة اليتيم


فضل كفالة اليتيم

مقدمة
اليتيم هو الشخص الذي فقد أباه أو كليهما قبل أن يبلغ الحلم, أى قبل البلوغ. وقد أوصى الإسلام برعاية اليتيم. كفالة اليتيم من الأعمال الطيبة التي تقدسها الشرائع السماوية وتقدرها المجتمعات في مختلف الأزمان . وأولى الإسلام اليتيم أشد الاهتمام وعظم مكافأة الاحسان له. فيما يلي نقدم سردا لأهم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الاحسان إلى اليتيم.
قال علي بن أبي طالب ( أعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم(
عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن هذا المال خضرة حلوة ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل ) رواه أحمد
يتم في اللغة : هو الانفراد
واليتيم : هو من فقد أباه قبل البلوغ ، واللقيط هو من فقد كافله، واللطيم هو : من فقد أبويه معا أمه وأباه
اليتيم هو الصغير الذي فقد الأب ويحتاج إلى من يرعاه، قال ابن كثير في "اليتامى": "وهم الصغار الذين لا كاسب لهم من الآباء"، وقال القرطبي في "اليتامى": "جمع يتيم، مثل: ندامى جمع نديم، واليتم في بني آدم بفقد الأب، وفي البهائم بفقد الأم، وحكى الماوردي أن اليتيم يقال في بني آدم في فقد الأم، والأول المعروف".
وكفالة اليتيم من الأمور التي حث عليها الشرع الحنيف، وجعلها من الأدوية التي تعالج أمراض النفس البشرية ، وبها يتضح المجتمع في صورته الأخوية التي ارتضاها له الإسلام.
على أنه لابد أن يتنبه أن كفالة اليتيم ليست في كفالته ماديا فحسب، بل الكفالة تعني القيام بشئون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح ، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلق بحياته الشخصية من المأكل والمشرب والملبس والعلاج ونحو هذا.
وتعتبر كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير وقد جاءت آيات القرآن الكريم دالة على بيان فضل رعاية اليتيم وعظم أجر كافله
فقال تعالى
( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (
وقال أيضا
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
وقال تعالى
( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
وقال الله تعالى
( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها
: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) رواه البخاري
ومنها ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك(
وقوله صلى الله عليه وسلم
( أدنِ اليتيم منك وألطفه وامسح برأسه وأطعمه من طعامك.. فإن ذلك يلين قلبك ويدرك حاجتك )
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم (

كفالة اليتيم

وكفالة اليتيم تكون بضم اليتيم إلى حجر كافله أي ضمه إلى أسرته، فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى يبلغ؛ لأنه لا يتم بعد الاحتلام والبلوغ، وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك ،فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم

كفالة اليتيم المالية

تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه، وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام .
وليست هناك شروط لهذه الكفالة إلا العدل والإحسان وتجنب ظلم اليتيم
وهذه الكفالة مرتبطة باليتم ، واليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال ، فإذا بلغ الصبي الرشد لم يعد يتيما ، إلا إذا كان في عقله سفه أو جنون ؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمر كفالته ، والبنت تظل في الكفالة حتى تتزوج
لقوله تعالى
(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم

وضع اليتيم مع الأسرة ‏

فإنه أجنبي عنها ، فإذا بلغ وجب معاملته كأجنبي ، وقدأبطل الله التبني وحرمه ، مع الترغيب في كفالته ، فلا يحرم تزوجه من أولاد المتبني ؛ مالم يوجد مانع آخر كالرضاعة، ويجب على زوجته وبناته التحجب أمامه منذ البلوغ أو انتباهه لأمور النساء ، ويحرم عليهن الخلوة به وغير ذلك مما ينطبق على الأجنبي .
كما يجب أن يفصل بينه وبين أولاد الكافل له المختلفين عن جنسه ؛ في المضجع الذي ينامون فيه ، إذا قارب البلوغ ،لأن الفصل بين الذكور والإناث واجب منذ بلوغهم العاشرة ولو كانوا إخوة ، فاليتيم الذي هو أجنبي أولى
أما كفالة اليتيم فغايتها وأمدها إلى أن يستغني اليتيم عن الكفيل
لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ) . رواه أحمد .
فمن أنفق على يتيم شهرا أو شهرين ثم استغنى اليتيم عن النفقة بالبلوغ أو الغنى أو ما شابه حصل له أجر كفالة اليتيم، وأما إن كان اليتيم ما زال في حاجة إلى نفقة فلا يأخذ الكفيل حينئذ الأجر كاملا لظاهر الحديث السابق، إلا أن تكون النفقة قد قصرت به ولا يجد ما ينفقه على اليتيم، مع حرصه على النفقة فيكتب له الأجر كاملا ـ إن شاء الله تعالى ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) . متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم ) من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين إصبعية السبابة والوسطى ( رواه احمد
وعد الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مال اليتيم من السبع الموبقات فقال صلى الله عليه وسلم :** اجتنبوا السبع موبقات - قالوا :يارسول الله وما هن ؟ قال ) الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ( رواه البخاري 0 ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم من كان من الصحابة ضعيفا أن لا يتولين مال اليتيم
وقد أثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على بيت فيه يتيم يحسن إليه فقال صلى الله عليه وسلم : خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه : رواه ابن ماجه
قال تعالى
( أريت الذي يكذب بالدين * فذالك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين ) سورة الماعون الآية 1 – 3
عد الله عز وجل من صفات الذين يكذبون بالبعث والجزاء أنهم يدفعون اليتيم بعنف وشدة لقساوة قلوبهم ولا يحضون غيرهم على إطعام المسكين فكيف لهم أن يطعموه بأنفسهم
وقال تعالى
( فا ما اليتيم فلا تقهر ( الضحى الآية 9 0
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أرحم الناس باليتيم وأشفقهم عليه حتى قال ) أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا )
وأمر الله بالمحافظة على أموال اليتيم وعدم التعرض لها بسوء وعد ذلك من كبائر الذنوب ورتب عليه اشد العقاب قال تعالى ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نار وسيصلون سعيرا ( النساء الآية 10
وقال تعالى
)و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا( الإسراء الآية 34

فوائد كفالة اليتيم

قال صلى الله عليه وسلم) أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا (
** كفالة اليتيم من قبل المسلم تؤدي إلى مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة وكفى بذلك شرفا وفخرا0
** كفالة اليتيم والإنفاق عليه وتربيته والعناية به تدل على طبع سليم وفطرة نقية وقلب رحوم 0
** المسح على رأس اليتيم و تطييب خاطرة تؤدي إلى ترقيق القلوب وتزيل القسوة عنه0
**تعود على صاحبها بالخير الجزيل والفضل العظيم في الحياة الدنيا فظلا عن الآخرة قال تعالى ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ( الرحمن الآية 6
** تساهم في بناء مجتمع خال من الحقد والكراهية وتسود فيه روح المحبة والمودة 0 قال صلى الله عليه وسلم ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ( رواه البخاري
** إكرام اليتيم والقيام بإمرة ورعايته والعناية به وكفالته إكرام لمن شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة اليتم ، وفي هذا دليل على محبته صلى الله عليه وسلم
** كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة التي أقرها الإسلام وامتدح أهلها
** كفالة اليتيم تزكي مال المسلم وتطهره وتجعل هذا المال نعم المال الصاحب للمسلم
** في كفالة اليتيم بركة عظيمة تحل على الكافل وتزيد في رزقه
**كفالة اليتيم تجعل البيت الذي فيه اليتيم خير البيوت كما قال صلى الله عليه وسلم ( خير بيت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ) رواه ابن ماجه
**في كفالة اليتيم حفظ لذريتك من بعدك وقيام الآخرين بالإحسان إلى ايتامك 0 قال تعالى( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) النساء الآية 9
وإضافة
**استغلال صرف المال والوقت في عبادة من عبادات الله
**أن الله يخلف على الكافل في الدنيا والآخرة ، وسعة في الرزق . فورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( ما من يوما إلا ينادي فيه ملكين يقول الأول :اللهم أعطى منفقا خلفا ويقول الأخر :اللهم أعطى ممسكا تلفا . أو كما قال صلى الله عليه وسلم )
**إن كفالة الأيتام تحفظهم بعد الله من الانحراف
**في كفالة اليتيم كسب للحسنات ومحي للسيئات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
وقد جاء الحث على الإحسان إلى اليتيم في أكثر من آية في القرآن الكريم، مقترناً بالإحسان إلى الوالدين والقربى، ومقدماً على الإحسان إلى المساكين
قال – تعالى
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)(البقرة:83).
وقال - تعالى
(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)(النساء:36)
وقال سبحانه وتعالى
(وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ)(البقرة:177)

وقال – تعالى
(قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)(البقرة:215).
ولعل ذلك راجع إلى أن اليتيم أكثر حاجة من المسكين، فإن حاجة المسكين قد تكون مؤقتة، والمسكين إن وجد من يواسيه بمال قام هو بأمر نفسه الذي هو أدرى باحتياجاتها من غيره، أما اليتيم فلصغره فإن حاجته إلى من يرعاه دائمة، وهو وإن ملك المال -بميراث أو غيره- لا يستطيع لصغره أن يقوم بأمر نفسه، ويحتاج إلى من يعتني بمصالحه في الصغيرة والكبيرة منها حتى يبلغ أشده ويكتمل رشده، فالمسكين إن فقد من يعطيه من ماله جاع، أما اليتيم فإن فقد من يكفله ضاع، وإن ملك المال وبات وهو شبعان.
فلا غرابة أن تكون حاجة اليتيم إلى من يكفله -ويحسن بذلك إليه- أشد من حاجة المسكين، لذا جاء الأمر بالإحسان إلى اليتامى قبل الأمر بالإحسان إلى المساكين في آيات القرآن الكريم، والله -تعالى- أعلم.
ولعظم دور الكفيل في حياة اليتيم، ولجسامة العبء الذي عليه، ولأهمية المسئولية التي يقوم بها، حتى صار هذا اليتيم عنده كابن من أبنائه في الاعتناء به والقيام بأمره جاء الشرع ببيان عظم ثوابه عند الله -تعالى- في الآخرة، قال -صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا... وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا) رواه البخاري
وعند مسلم قال - صلى الله عليه وسلم (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى).
قال الذهبي في كتابه الكبائر: "كفالة اليتيم: هي القيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له أنفق عليه وكساه ابتغاء وجه الله -تعالى- وقوله في الحديث: (له أو لغيره) أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبياً منه: فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه، والأجنبي من ليس بينه وبينه قرابة".
قال القرطبي في إشارته -صلى الله عليه وسلم بالسبابة والوسطى-: "فإنما أراد ذكر المنازل والإشراف على الخلق، فقال: نحشر هكذا... ونحن مشرفون وكذا كافل اليتيم تكون منزلته رفيعة ".

والمجتمع المسلم عندما يتحرك لكفالة من فيه من اليتامى إنما يفعل ذلك من دافع الشعور بالمسئولية تجاه هؤلاء الصغار من أبناء المجتمع، والذي ينبغي على المجتمع أن يكون فيه من يقوم مقام الأب ويتولى أمر هذا اليتيم الصغير حتى يكبر، فإن كان الأب قد وصى بذلك إلى من يستأمنه على ولده فبها ونعمت، وإلا فهي مسئولية ينبغي أن يستشعرها من حول هذا اليتيم، فلا تهنأ لهم حياة، ولا تستقيم لهم معيشة إلا وقد وجد هذا اليتيم من يتولى أمره، ولو بِحَثِ غير القادرين لمن يجدونهم من القادرين على الكفالة بالقيام بها، وأن تكون هذه الكفالة ممن هو آمين عليها، وأن تكون كفالة تامة غير منقوصة، تعتني بحاجات الصغير جميعها، وتحرص كل الحرص على تربيته وتنشئته وتهذيبه وتعليمه ما ينفعه.
وكفالة اليتيم في الإسلام عبادة وقربة، ومسئولية دائمة لا يصح أن تقتصر على يوم في العام، يكتفى فيه بتقديم الأموال والهدايا، أو المواساة بالزيارة، ثم ينصرف الناس من حول اليتيم كل في شأن نفسه.
فحاجة اليتيم ليست إلى المال والزيارة فحسب، وليست مقصورة على يوم في العام، ولكنه يحتاج إلى من يفكر في أمره ويتولى مصالحه ليل نهار، ولا يتوانى عن توجيهه وإرشاده وتربيته وتعليمه، لينشأ النشأة الصالحة القويمة التي ينفع بها نفسه ويتعدى بها نفعه إلى مجتمعه عندما يبلغ رشده.

واليتيم قبل ذلك وبعده لا يحتاج إلى من يذكره بأنه يتيم، ويخصص يوماً قبل ذلك يجتمع فيه الناس حوله -مخلصين في ذلك أم مرائين- ليجددوا له أحزانه بفقد أبيه، ويشعرونه أن بؤس حاله جذب إليه أصحاب القلوب الرحيمة بهداياهم وعطاياهم الرمزية ثم ينصرفون عنه وقد رضيت نفوسهم واطمأنت بذلك، وقد تركوا هذا اليتيم باقي أيام العام لا يجد من يتابع بحرص وعناية حاله وأحواله.
إن الواجب علينا أن نعود إلى الفهم الصحيح لكفالة اليتيم كما يريدها منا إسلامنا، فيتجه القادر -ويحث غير القادر غيره- على تولي أمر اليتيم، ويكفله الكفالة التامة الدائمة في المأكل والمشرب والتربية والتوجيه، وتعليمه أحكام الدين، ونواله القسط اللازم من التعليم الدنيوي وتعلم حرفة أو مهنة يتكسب منها، وحفظ ماله وتنميته إن كان له مال من ميراث أو غيره، فهذه هي الكفالة المطلوبة منا، والتي إن أديناها نبلغ الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة التي لكافل اليتيم عند الله -تعالى- في الآخرة.
وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.














المراجع

1 – القرأن الكريم
2 - الأمام أبى حامد محمد بن محمد الغزالى (احياء علوم الدين ) مكتبة الايمان للنشر والتوزيع بالمنصورة – الطبعة الاولى - 1417 هجرى – 1996م
3 – السيد سابق ( فقه السنة ) دار الفتح للاعلام العربى طباعة ونشر وتوزيع – الطبعة الحادية والعشرون 1420هجرية – 1999م 0

ا