الأحد، 17 يناير 2010

اسباب الهجرة النبويةالشريفةوأثارها



اسباب الهجرة النبويةالشريفةوأثارها

وضعت الهجرة النبوية المعالم الواضحة في بيان أن الإسلام حقيقة لاصورة، وأن الذين يحملون حقيقة الإسلام يستطيعون أن ينتصروا بها على جميع الخرافات المنتشرة في العالم، أما من يحملوا صورة الإسلام فقط فهم عاجزون عن الانتصار؛ لأنهم لايستطيعون التغلب على شهواتهم، ولايقدرون على الثبات على الحق عند الابتلاء والامتحان. ولهذا ربط الله بين المؤمنين الذين حملوا حقيقة الإسلام من أنصار ومهاجرين برباط الولاية والنصر، وقطع هذه الولاية بينهم وبين المؤمنين الذين حملوا صورة الإسلام فقعدوا عن الهجرة مع قدرتهم عليها:
(إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى" يهاجروا) {الأنفال: 72}.
والواضح لنا أن الهجرة النبوية لم تكن محض اختيار النبي ؛ وإنما كانت تكليفاً من الله سبحانه وتعالى لنبيه، فنفذ المهمة كما أرادها الله تعالى. ومتى أراد الله أمراً فإنه واقع لا محالة مهما تكن الظروف المضادة، والأعمال المعاكسة، فإرادة الله واقعة؛ لأنه إذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون.
وليس معنى التكليف الإلهي أن يركن الإنسان إلى الدعة والراحة، وترك الأمور تجري كما تجري، وإنما يجب أن يكون يقظاً واعياً، له اختيار فيما يفعل حتى لايخلط بين التوكل على الله المطلوب مع كل جهد،والتواكل الذي لا يصاحبه جهد وعمل.
والتوكل مطلوب في هذه الأيام العصيبة على الأمة الإسلامية مع الجهاد، والجهد، والعمل؛ لتحرير بيت المقدس، ودعم الانتفاضة حتى يتم التحرير.
كما أن الهجرة النبوية نجد فيها استعلاءً على جوانب الأرض ورغبات النفس، فقد فارق النبي مكة وهي وطنه، ومدرج شبابه، وفيها أهله وعشيرته؛ ليلتمس للإسلام أرضاً خصبة تترعرع فيها مبادئه، وتخفق في سمائها رايته.
وعندما فارق أرض مكة، وأوشكت معالمها أن تغيب عن ناظريه التفت إليها قائلاً: "والله إنك لأحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت"(1).
وعندما احتواه الطريق الطويل بين مكة والمدينة أنزل الله عليه آية تسرى عنه وتهون من شأن الجبارين الذين وقفوا في وجه دعوته، فقال تعالى: ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم
{محمد: 13}.
ففي هذه الآية الكريمة من دروس الهجرة درس عظيم يعلم المسلمين أن العاقبة للمتقين، وأن الغلبة للحق مهما تحالفت عليه قوى الشر والبغي، وأن الظلم الواقع بأمة مؤمنة بربها ونفسها لن يدوم طويلاً ما دامت هذه الأمة قائمة على حقها مستمسكة به مجتمعة حوله، وقد ورد عن رسول الله في الحديث الشريف: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"(2) .
ففي المدينة المنورة وضع الرسول الكريم مبدأ التعاون والإخاء حين آخى بين المهاجرين والأنصار.. فضرب بذلك الأنصار أروع المثل في الحب والإيثار، وسجل لهم القرآن الكريم هذا الموقف الإنساني الكريم في قوله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على" أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) {الحشر: 9}.
أسباب الهجرة
كانت هناك أسباب دفعت بالنبي إلى الهجرة من مكة إلى المدينة.. وهذه الأسباب تتركز في مجموعها على حرص النبي على سلامة سير الدعوة الإسلامية نحو القلوب المغلقة، ومن تلك الأسباب:
1 - تصاعد العذاب من قبل الكفار تجاه المؤمنين المستضعفين حين تعرض المؤمنون الأوائل إلى صنوف من ألوان العذاب تقشعر منه الأبدان.. ومن أمثلة ذلك: مالقيه الصحابي الجليل بلال بن رباح، وياسر، وسمية، وابنهما عمار، وغيرهم كثيرون.
فعملاً على تمكين الإسلام من الانتشار كان واجب الهجرة ليتسنى للمتشوقين من الدخول إلى الإسلام دون أن يصيبهم من العذاب ما يصيب هؤلاء المستضعفين، وقد زاد عدد المسلمين ازدياداً كبيراً بعد الهجرة، وخلاص المؤمنين من هذا العذاب.
2 - الحصار الاقتصادي من قبل الكفار تجاه المسلمين وبني هاشم، فنظراً لعجز كفار قريش عن إيقاف توسع الدعوة الإسلامية قرروا القيام بعمل حصار اقتصادي كامل تجاه المسلمين وبني هاشم، حيث قاموا بإعداد صحيفة تحث على المقاطعة، وقاموا بتعليقها في جوف الكعبة وترتب عليها آثار سيئة تجاه المسلمين وبني هاشم حتى كادوا يأكلون أوراق الشجر من شدة الجوع.. وكان باستطاعة المسلمين أن يحتملوا ذلك كله لو أنه أتيح لهم حرية القيام بنشر الدعوة الإسلامية بأرض الجزيرة العربية إلا أن هذه الصحيفة كانت حائلاً بينهم وبين الاتصال بالعرب في غير المواسم الدينية القليلة مما ضيق عليهم إمكانية نشر الدعوة الإسلامية.
3 - وفاة المؤيدين للنبي : لقد منّ الله عز وجل على النبي بمؤيدين له من أهله، يواسونه، ويخففون من آلامه، ويدافعون عنه، ويمنعون أذى الكفار من أن يصيبه. وذلك الذي وصل إلى درجة لايستطيع إنسان عادي احتمالها.. وهما:
خديجة بنت خويلد زوج النبي ؛ حيث وقفت إلى جانبه بمالها وجاهها، ونصبت من نفسها مواسياً لجراحه وآلامه.
وعمه أبو طالب فقد وقف أيضاً بجانب النبي على كفره في جميع المواقف يدافع عنه، ويحميه، وينتصر له وهو من هو في مكانته ومقامه من قريش.
أما الآن فقد ماتا متتابعين في عام واحد، وألحق ذلك الحزن العميق في نفس النبي بفقدهما، الأمر الذي يستوجب معه ضرورة الهجرة إلى مكان آخر يجد فيه قوماً آخرين يدافعون عنه، ويؤمنون به.
4 - كبرياء قريش وتعاليها: فكما هو معروف تاريخياً أن قريشاً كانت تتمتع بمكانة كبيرة بين العرب منذ القدم؛ حيث إنها حامية بيت الله تعالى الذي يجتمع فيه العرب جميعاً كل عام من شتى أرجاء الجزيرة العربية للقيام بالحج والتجارة وإنشاد الشعر والأدب، وقد حالت هذه المكانة بينها وبين الدخول في الإسلام الذي يسوي بين كل الناس قرشي وغير قرشي.. عربي وغير عربي.
من آثار الهجرة
لقد ترتب على الهجرة النبوية تحول كبير في طريق الدعوة الإسلامية؛ حيث انتقلت بها من عهد إلى عهد آخر يختلف في كثير من جوانبه عن العهد الأول، ويتجلى ذلك في النقاط الآتية:
1 - حرية الدعوة إلى الله تعالى:
أصبح النبي في المدينة المنورة حراً طليقاً يدعو إلى عبادة الواحد القهار دون رقيب عليه أو معارض له.. فهؤلاء هم الأوس والخزرج في المدينة يلتفون حوله، ويدافعون عنه، ويحمونه، ويؤمنون به، وهم من هم في قوتهم وجلدهم حتى أعطوه العهد والميثاق يوم العقبة على النصرة والتأييد.
فهذه الحرية لم تكن متيسرة للنبي في مكة المكرمة حيث كان أذى قريش يناله وينال كل من يتصل به، أو ينصت إليه فيصرف ذلك الناس عن الإيمان به.
2 - الخلاص من عذاب قريش وأذاها:
فقد كانت قريش تنال المسلمين والمستضعفين منهم خاصة بأذى شديد لا يحتمله بشر.. والأمثلة على ذلك كثيرة لاتعد.. أما في المدينة فقد أصبح المسلمون في أمان الله بعيدين عن أن تنالهم أيدي المشركين بأذى؛ حيث إن المدينة بلد حصين والأنصار قوم أشداء وأقوياء وقد آخى بين الأنصار والمهاجرين فالتزموا بحمايتهم، والدفاع عنهم.
3 - تفرغ النبي لبناء الدولة الإسلامية:
فقد أمضى في مكة ثلاثة عشر عاماً كان فيها مشغولاً ببناء الفرد.. أما بناء الدولة والمجتمع الإسلامي فهو مالا سبيل إليه في مكة مع قلة العدد، وشدة العدو.. أما الآن فقد زاد عدد المسلمين، وتفقهوا في دين الله تعالى، وخف عنهم أذى قريش؛ لذلك فإننا نرى النبي قد انصرف إلى بناء الدولة الإسلامية، وتنظيم المجتمع الإسلامي على أسس مخططة أثمرت في تكوين أقوى دولة عرفها التاريخ البشري تناسقاً وتماسكاً وحضارة.
4 - تفرغ النبي لمقاومة المناهضين للدعوة الإسلامية بالأسلوب والوسيلة المناسبين لذلك:
من المعروف أن للضلال شوكة في كثير من الأحيان، ولا يمكن ردها بالدليل والبرهان وحده، ولا بالحوار فقط.. بل إنه يحتاج في كثير من الأحيان مع الدليل والمجادلة بالحسنى إلى السلاح، وهو مالم يكن متيسراً للنبي في مكة مع قلة عدد المؤمنين، وضعف قوتهم أمام كبرياء قريش وشدتها؛ وبعد الهجرة تيسر للنبي الجهاد لوجود الرجال والسلاح، فقد استطاع أن يعد جيشاً من المؤمنين تمكن به من أن يدرأ الأذى عنهم.
إن قصة الهجرة علينا أن نتدبرها نحن المسلمين عامة، ونحن نمر بمحن وشدائد في هذا العصر، محن في الاقتصاد، محن في السياسة محن في نسق التراكيب الاجتماعية، ومحن في عدم المقدرة على تحرير بيت المقدس، ومحن في مناطق كثيرة من وطننا الكبير، نضطهد ونقتل، وتنهب ثرواتنا وتصفى مواقعنا، ولانجاة لنا إلا بالإسلام، علينا أن نعد الخطط، ونتوكل على ربنا ونحن نتولى التنفيذ، فهل نحن فاعلون؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق