الجمعة، 4 مارس 2011

بر الوالدين
من فضل الله تعالى على أمتنا الحبيبة قوة ترابط الأسرة كوحدة بناء للأمة، وهذه الميزة الرائعة أتت من تعاليم ربنا ونهج رسولنا الحبيب الذي علمَنا أن نحتفل بالأسرة في كل وقت وكل حين عن طريق برِّ الوالدين، الذي يُعدُّ عيدًا دائمًا للأسرة، تقدم من خلاله سلوكيات البرِّ والودِّ والاحترام والحفاوة والتقدير وخفض جناح الذل من والعطاء الدائم المستمر ماديًا ومعنويًا لكلا الأبوين، وذلك بوضعهما في المكانة الكبرى العظيمة اللائقة بهما والتي تأتي بعد مكانة الله تبارك وتعالى..﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (النساء: 36
فكما أن عبادة الله طريق دائم للمسلم كمهمة أساسية في الحياة يصبحها أيضًا برٌّ دائم بالوالدين؛ عملاً بوصية الله- تبارك وتعالى- الذي قرن الإحسان للوالدين بعبادته- جل شأنه- قال الله تعالى..﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (لقمان: 14
إنها مكانةٌ كبرى عاليةٌ مقدسةٌ للأبوين في نفس كل مسلم بعد مكانة الله تعالى، فالجنة العظيمة الرائعة التي يحلم بها كل إنسان جُعلت تحت أقدام الأمهات، والأب قال عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الوالد أوسط أبواب الجنة"، وكذالك بيَّن لأحد الصحابة قدرَ الوالدين وتأثيرهما على مصير الإنسان بقوله: "هما جنتك أو نارك"، وهذه الجنة العظيمة محرمة على كل عاقٍّ لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة عاقٌّ".
بل إن رضا الله- تبارك وتعالى- الذي تهفو إليه نفس كل مسلم يبنيه الله- تبارك وتعالى- على برِّ الوالدَين لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "رضا الله في رضا الوالدين"، وسخط الله تعالى وغضبه الذي يفزَع منه كل مسلم يأتي نتيجةً لسخط الوالدين لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "سخط الله في سخط الوالدين".
والصلاة التي هي أعظم شعائر الإسلام وعماد الدين جاء بعدها مباشرةً في أفضلية الأعمال برُّ الوالدين،الذي جُعل أفضل درجة وجُعل مقدمًا على الجهاد ،فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟‍ قال:"الصلاة على وقتها" قلت: ثم أيُّ؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أيُّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (متفق عليه
فيا لها من مكانة مرموقة وعالية..!! - بر الوالدين- ويا له من عطاء دائم ومستمر ليس فقط في حياة الوالدين بل بعد مماتهما، وليس فقط للأبوين الصالحَين بل لكل أب وأم حتى ولو كانا مشركَيْن: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (لقمان: 15 وروى أبو داود وابن ماجة والحاكم عن مالك بن ربيعة قال: بينما نحن عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقيَ عليَّ من برِّ أبويَّ شيءٌ أبرُّهما به بعد وفاتهما؟‍ قال: نعم "الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما"..!!
نعم إخوتي الأحباء..ما أروعَ وما أجملَه..الذي يجعل الإحسان والبر والرحمة والشكر والثناء ورعاية الوالدين شعيرةً من شعائر الدين وركنًا من أركان الإسلام وسببًا في رضا الرحمن وشرطًا من شروط دخول الجنة..!
أننا نحتفل بالأسرة بشكل دائم ومستمر، فبر الوالدين عندنا ليس عيدًا مؤقتًا فقط في الحادي والعشرين من مارس كل عام وبعد مرور عام من النسيان فهذا احتفال مسكين..فقط قد يساوي 1/365 من روعة الاحتفال المطلوبة ، فنحن بفضل الله تعالى عندنا احتفاليات دائمة وحيوية ومتجددة تضفي الفرحة والبهجة والهناءة والسرور على أنفسٍ هي أغلى ما عندنا في الحياة بعد حبِّ لله وحبِّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم
حقوق الوالدين


مقام الأم مقدَّس ومقام الأب عظيم! هل أنت بار بهما؟ هل ترفع صوتك في حضرتهما؟
هل تنظر إليهما بغير نظر الرحمة والمحبة؟ كيف تكون باراً بوالديك، وتتحاشى العقوق؟

قال تعالى في كتابه: "وقضى ربك إلاَّ تعبدوا إلاّ أيَّاه وبالوالدين إحساناً"

ولهذا فقط اعتبر الإسلام عطاءهما عملاً جليلاً مقدساً استوجبا عليه الشكر
وعرفان الجميل وأوجب لهما حقوقاً على الأبناء لم يوجبها لأحد على أحد
إطلاقاً، حتى أن الله تعالى قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده
بشكل مباشر فقال: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً"

لأن الفضل على الإنسان بعد الله هو للوالدين، والشكر على الرعاية والعطاء يكون لهما بعد
شكر الله وحمده، "ووصينا الإنسان بوالديه... أن أشكر لي ولوالديك إليَّ المصير"

وقد اعتبر القران العقوق للوالدين والخروج عن طاعتهما معصية وتجبراً حيث
جاء ذكر يحيى ابن زكريا بالقول: "وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيا"

نجد حق الأم على لسان الإمام علي بن الحسين بأفضل تعبير وأكمل بيان، فيختصر عظمة الأم وشموخ مقامها في كلمات، ويصوِّر عطاها بأدق تصوير وتفصيل فيقول
?: "فحقّ أُمِّك أن تعلم أنَّها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يُطْعِم أحدٌ أحداً، وأنَّها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحةً موبلة (كثيرة عطاياها )، محتملة لما فيه مكروهها
وألمها وثقلها وغمِّها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض
فَرَضِيَتْ أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ، وتظللك وتضحى،
وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأَرِقهَا، وكان بطنها لك وعاء، وَحِجْرَها
لك حواء، وثديها لك سقاءاً، ونفسها لك وقاءاً، تباشر حر الدنيا وبردها لك
دونك، فتشكرها على قدرِ ذلك ولا تقدر عليه إلاّ بعون الله وتوفيقه".
وكذلك كانت وصية النبي لرجلٍ أتاه فقال: يا رسول الله من أبر؟
قال : "أمك".
قال : "أمك". قال: ثمّ من؟ قال : "أمك". قال: ثمّ من؟ قال :"أباك".
حق الأب
ولا يقل حق الأب أهمية عن حق الأم، فهو يمثل الأصل والابن هو الفرع، وقد أمضى حياته وشبابه
وأفنى عمره بكد واجتهاد للحفاظ على أسرته وتأمين الحياة الهانئة لأولاده، فتعب وخاطر وفي ذلك يقول الإمام زين العابدين ?: "وأمَّا حق أبيك فتعلم أنَّه أصلك وإنَّك فرعه
وإنَّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مِمَّا يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه
، واحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله".

برَّ الوالدين بعد الموت

لا يقتصر بر الوالدين على حياتهما بحيث إذا انقطعا من الدنيا انقطع ذكرهما، بل إن من
واجبات الأبناء إحياء أمرهما وذكرهما من خلال زيارة قبريهما وقراءة الفاتحة

كما أن عليهم حق البرِّ لهُمَا في جملة أمور ذكرها رسول الله لرجل من
أصحابه فقال: يا رسول الله هل بقي لأبوي شي‏ء من البرّ أبرهما به بعد وفاتهما؟

قال رسول : "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنقاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلاّ بهما".

حد العقوق

إن نكران الجميل، وعدم مكافأة الإحسان ليعتبران من قبائح الأخلاق،
ولذلك حذّر الإسلام من عقوق الوالدين لما له من دلالات ونتائج كما عبّر
النبي الأكرم "كن باراً واقتصر على الجنة، وإن كنت عاقاً فاقتصر على النار". قال تعالى
"إمَّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما"

حد الطاعة
أشار النبي عندما فيما أمرا لأنَّه بحسب الحديث المعصوم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
بالتوضيح: "وصاحبهما في الدنيا معروفاً"
فلا يعصيهما في باقي الأمور.
فطاعة الوالدين وبرّهما واجب سواء كانا مؤمنين أم لا، "بر الوالدين برّين كانا أو فاجرين".
قال: "بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله".
ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدّم قدّامهما".
"وإنّ جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً"

فعندما يصل الأمر إلى معصية الله والشرك به يتوقف الإنسان عند هذا الحد فلا يطيعهما


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق