الاثنين، 4 يوليو 2011

فضل كفالة اليتيم


فضل كفالة اليتيم

مقدمة
اليتيم هو الشخص الذي فقد أباه أو كليهما قبل أن يبلغ الحلم, أى قبل البلوغ. وقد أوصى الإسلام برعاية اليتيم. كفالة اليتيم من الأعمال الطيبة التي تقدسها الشرائع السماوية وتقدرها المجتمعات في مختلف الأزمان . وأولى الإسلام اليتيم أشد الاهتمام وعظم مكافأة الاحسان له. فيما يلي نقدم سردا لأهم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الاحسان إلى اليتيم.
قال علي بن أبي طالب ( أعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم(
عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن هذا المال خضرة حلوة ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل ) رواه أحمد
يتم في اللغة : هو الانفراد
واليتيم : هو من فقد أباه قبل البلوغ ، واللقيط هو من فقد كافله، واللطيم هو : من فقد أبويه معا أمه وأباه
اليتيم هو الصغير الذي فقد الأب ويحتاج إلى من يرعاه، قال ابن كثير في "اليتامى": "وهم الصغار الذين لا كاسب لهم من الآباء"، وقال القرطبي في "اليتامى": "جمع يتيم، مثل: ندامى جمع نديم، واليتم في بني آدم بفقد الأب، وفي البهائم بفقد الأم، وحكى الماوردي أن اليتيم يقال في بني آدم في فقد الأم، والأول المعروف".
وكفالة اليتيم من الأمور التي حث عليها الشرع الحنيف، وجعلها من الأدوية التي تعالج أمراض النفس البشرية ، وبها يتضح المجتمع في صورته الأخوية التي ارتضاها له الإسلام.
على أنه لابد أن يتنبه أن كفالة اليتيم ليست في كفالته ماديا فحسب، بل الكفالة تعني القيام بشئون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح ، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلق بحياته الشخصية من المأكل والمشرب والملبس والعلاج ونحو هذا.
وتعتبر كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير وقد جاءت آيات القرآن الكريم دالة على بيان فضل رعاية اليتيم وعظم أجر كافله
فقال تعالى
( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (
وقال أيضا
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
وقال تعالى
( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
وقال الله تعالى
( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها
: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) رواه البخاري
ومنها ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك(
وقوله صلى الله عليه وسلم
( أدنِ اليتيم منك وألطفه وامسح برأسه وأطعمه من طعامك.. فإن ذلك يلين قلبك ويدرك حاجتك )
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم (

كفالة اليتيم

وكفالة اليتيم تكون بضم اليتيم إلى حجر كافله أي ضمه إلى أسرته، فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى يبلغ؛ لأنه لا يتم بعد الاحتلام والبلوغ، وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك ،فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم

كفالة اليتيم المالية

تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه، وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام .
وليست هناك شروط لهذه الكفالة إلا العدل والإحسان وتجنب ظلم اليتيم
وهذه الكفالة مرتبطة باليتم ، واليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال ، فإذا بلغ الصبي الرشد لم يعد يتيما ، إلا إذا كان في عقله سفه أو جنون ؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمر كفالته ، والبنت تظل في الكفالة حتى تتزوج
لقوله تعالى
(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم

وضع اليتيم مع الأسرة ‏

فإنه أجنبي عنها ، فإذا بلغ وجب معاملته كأجنبي ، وقدأبطل الله التبني وحرمه ، مع الترغيب في كفالته ، فلا يحرم تزوجه من أولاد المتبني ؛ مالم يوجد مانع آخر كالرضاعة، ويجب على زوجته وبناته التحجب أمامه منذ البلوغ أو انتباهه لأمور النساء ، ويحرم عليهن الخلوة به وغير ذلك مما ينطبق على الأجنبي .
كما يجب أن يفصل بينه وبين أولاد الكافل له المختلفين عن جنسه ؛ في المضجع الذي ينامون فيه ، إذا قارب البلوغ ،لأن الفصل بين الذكور والإناث واجب منذ بلوغهم العاشرة ولو كانوا إخوة ، فاليتيم الذي هو أجنبي أولى
أما كفالة اليتيم فغايتها وأمدها إلى أن يستغني اليتيم عن الكفيل
لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ) . رواه أحمد .
فمن أنفق على يتيم شهرا أو شهرين ثم استغنى اليتيم عن النفقة بالبلوغ أو الغنى أو ما شابه حصل له أجر كفالة اليتيم، وأما إن كان اليتيم ما زال في حاجة إلى نفقة فلا يأخذ الكفيل حينئذ الأجر كاملا لظاهر الحديث السابق، إلا أن تكون النفقة قد قصرت به ولا يجد ما ينفقه على اليتيم، مع حرصه على النفقة فيكتب له الأجر كاملا ـ إن شاء الله تعالى ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) . متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم ) من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين إصبعية السبابة والوسطى ( رواه احمد
وعد الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مال اليتيم من السبع الموبقات فقال صلى الله عليه وسلم :** اجتنبوا السبع موبقات - قالوا :يارسول الله وما هن ؟ قال ) الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ( رواه البخاري 0 ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم من كان من الصحابة ضعيفا أن لا يتولين مال اليتيم
وقد أثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على بيت فيه يتيم يحسن إليه فقال صلى الله عليه وسلم : خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه : رواه ابن ماجه
قال تعالى
( أريت الذي يكذب بالدين * فذالك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين ) سورة الماعون الآية 1 – 3
عد الله عز وجل من صفات الذين يكذبون بالبعث والجزاء أنهم يدفعون اليتيم بعنف وشدة لقساوة قلوبهم ولا يحضون غيرهم على إطعام المسكين فكيف لهم أن يطعموه بأنفسهم
وقال تعالى
( فا ما اليتيم فلا تقهر ( الضحى الآية 9 0
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أرحم الناس باليتيم وأشفقهم عليه حتى قال ) أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا )
وأمر الله بالمحافظة على أموال اليتيم وعدم التعرض لها بسوء وعد ذلك من كبائر الذنوب ورتب عليه اشد العقاب قال تعالى ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نار وسيصلون سعيرا ( النساء الآية 10
وقال تعالى
)و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا( الإسراء الآية 34

فوائد كفالة اليتيم

قال صلى الله عليه وسلم) أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا (
** كفالة اليتيم من قبل المسلم تؤدي إلى مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة وكفى بذلك شرفا وفخرا0
** كفالة اليتيم والإنفاق عليه وتربيته والعناية به تدل على طبع سليم وفطرة نقية وقلب رحوم 0
** المسح على رأس اليتيم و تطييب خاطرة تؤدي إلى ترقيق القلوب وتزيل القسوة عنه0
**تعود على صاحبها بالخير الجزيل والفضل العظيم في الحياة الدنيا فظلا عن الآخرة قال تعالى ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ( الرحمن الآية 6
** تساهم في بناء مجتمع خال من الحقد والكراهية وتسود فيه روح المحبة والمودة 0 قال صلى الله عليه وسلم ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ( رواه البخاري
** إكرام اليتيم والقيام بإمرة ورعايته والعناية به وكفالته إكرام لمن شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة اليتم ، وفي هذا دليل على محبته صلى الله عليه وسلم
** كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة التي أقرها الإسلام وامتدح أهلها
** كفالة اليتيم تزكي مال المسلم وتطهره وتجعل هذا المال نعم المال الصاحب للمسلم
** في كفالة اليتيم بركة عظيمة تحل على الكافل وتزيد في رزقه
**كفالة اليتيم تجعل البيت الذي فيه اليتيم خير البيوت كما قال صلى الله عليه وسلم ( خير بيت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ) رواه ابن ماجه
**في كفالة اليتيم حفظ لذريتك من بعدك وقيام الآخرين بالإحسان إلى ايتامك 0 قال تعالى( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) النساء الآية 9
وإضافة
**استغلال صرف المال والوقت في عبادة من عبادات الله
**أن الله يخلف على الكافل في الدنيا والآخرة ، وسعة في الرزق . فورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( ما من يوما إلا ينادي فيه ملكين يقول الأول :اللهم أعطى منفقا خلفا ويقول الأخر :اللهم أعطى ممسكا تلفا . أو كما قال صلى الله عليه وسلم )
**إن كفالة الأيتام تحفظهم بعد الله من الانحراف
**في كفالة اليتيم كسب للحسنات ومحي للسيئات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
وقد جاء الحث على الإحسان إلى اليتيم في أكثر من آية في القرآن الكريم، مقترناً بالإحسان إلى الوالدين والقربى، ومقدماً على الإحسان إلى المساكين
قال – تعالى
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)(البقرة:83).
وقال - تعالى
(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)(النساء:36)
وقال سبحانه وتعالى
(وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ)(البقرة:177)

وقال – تعالى
(قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)(البقرة:215).
ولعل ذلك راجع إلى أن اليتيم أكثر حاجة من المسكين، فإن حاجة المسكين قد تكون مؤقتة، والمسكين إن وجد من يواسيه بمال قام هو بأمر نفسه الذي هو أدرى باحتياجاتها من غيره، أما اليتيم فلصغره فإن حاجته إلى من يرعاه دائمة، وهو وإن ملك المال -بميراث أو غيره- لا يستطيع لصغره أن يقوم بأمر نفسه، ويحتاج إلى من يعتني بمصالحه في الصغيرة والكبيرة منها حتى يبلغ أشده ويكتمل رشده، فالمسكين إن فقد من يعطيه من ماله جاع، أما اليتيم فإن فقد من يكفله ضاع، وإن ملك المال وبات وهو شبعان.
فلا غرابة أن تكون حاجة اليتيم إلى من يكفله -ويحسن بذلك إليه- أشد من حاجة المسكين، لذا جاء الأمر بالإحسان إلى اليتامى قبل الأمر بالإحسان إلى المساكين في آيات القرآن الكريم، والله -تعالى- أعلم.
ولعظم دور الكفيل في حياة اليتيم، ولجسامة العبء الذي عليه، ولأهمية المسئولية التي يقوم بها، حتى صار هذا اليتيم عنده كابن من أبنائه في الاعتناء به والقيام بأمره جاء الشرع ببيان عظم ثوابه عند الله -تعالى- في الآخرة، قال -صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا... وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا) رواه البخاري
وعند مسلم قال - صلى الله عليه وسلم (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى).
قال الذهبي في كتابه الكبائر: "كفالة اليتيم: هي القيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له أنفق عليه وكساه ابتغاء وجه الله -تعالى- وقوله في الحديث: (له أو لغيره) أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبياً منه: فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه، والأجنبي من ليس بينه وبينه قرابة".
قال القرطبي في إشارته -صلى الله عليه وسلم بالسبابة والوسطى-: "فإنما أراد ذكر المنازل والإشراف على الخلق، فقال: نحشر هكذا... ونحن مشرفون وكذا كافل اليتيم تكون منزلته رفيعة ".

والمجتمع المسلم عندما يتحرك لكفالة من فيه من اليتامى إنما يفعل ذلك من دافع الشعور بالمسئولية تجاه هؤلاء الصغار من أبناء المجتمع، والذي ينبغي على المجتمع أن يكون فيه من يقوم مقام الأب ويتولى أمر هذا اليتيم الصغير حتى يكبر، فإن كان الأب قد وصى بذلك إلى من يستأمنه على ولده فبها ونعمت، وإلا فهي مسئولية ينبغي أن يستشعرها من حول هذا اليتيم، فلا تهنأ لهم حياة، ولا تستقيم لهم معيشة إلا وقد وجد هذا اليتيم من يتولى أمره، ولو بِحَثِ غير القادرين لمن يجدونهم من القادرين على الكفالة بالقيام بها، وأن تكون هذه الكفالة ممن هو آمين عليها، وأن تكون كفالة تامة غير منقوصة، تعتني بحاجات الصغير جميعها، وتحرص كل الحرص على تربيته وتنشئته وتهذيبه وتعليمه ما ينفعه.
وكفالة اليتيم في الإسلام عبادة وقربة، ومسئولية دائمة لا يصح أن تقتصر على يوم في العام، يكتفى فيه بتقديم الأموال والهدايا، أو المواساة بالزيارة، ثم ينصرف الناس من حول اليتيم كل في شأن نفسه.
فحاجة اليتيم ليست إلى المال والزيارة فحسب، وليست مقصورة على يوم في العام، ولكنه يحتاج إلى من يفكر في أمره ويتولى مصالحه ليل نهار، ولا يتوانى عن توجيهه وإرشاده وتربيته وتعليمه، لينشأ النشأة الصالحة القويمة التي ينفع بها نفسه ويتعدى بها نفعه إلى مجتمعه عندما يبلغ رشده.

واليتيم قبل ذلك وبعده لا يحتاج إلى من يذكره بأنه يتيم، ويخصص يوماً قبل ذلك يجتمع فيه الناس حوله -مخلصين في ذلك أم مرائين- ليجددوا له أحزانه بفقد أبيه، ويشعرونه أن بؤس حاله جذب إليه أصحاب القلوب الرحيمة بهداياهم وعطاياهم الرمزية ثم ينصرفون عنه وقد رضيت نفوسهم واطمأنت بذلك، وقد تركوا هذا اليتيم باقي أيام العام لا يجد من يتابع بحرص وعناية حاله وأحواله.
إن الواجب علينا أن نعود إلى الفهم الصحيح لكفالة اليتيم كما يريدها منا إسلامنا، فيتجه القادر -ويحث غير القادر غيره- على تولي أمر اليتيم، ويكفله الكفالة التامة الدائمة في المأكل والمشرب والتربية والتوجيه، وتعليمه أحكام الدين، ونواله القسط اللازم من التعليم الدنيوي وتعلم حرفة أو مهنة يتكسب منها، وحفظ ماله وتنميته إن كان له مال من ميراث أو غيره، فهذه هي الكفالة المطلوبة منا، والتي إن أديناها نبلغ الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة التي لكافل اليتيم عند الله -تعالى- في الآخرة.
وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.














المراجع

1 – القرأن الكريم
2 - الأمام أبى حامد محمد بن محمد الغزالى (احياء علوم الدين ) مكتبة الايمان للنشر والتوزيع بالمنصورة – الطبعة الاولى - 1417 هجرى – 1996م
3 – السيد سابق ( فقه السنة ) دار الفتح للاعلام العربى طباعة ونشر وتوزيع – الطبعة الحادية والعشرون 1420هجرية – 1999م 0

ا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق